أحبابي الكرام ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل الله أن يمدكم بالعون والسداد وأن ينفع بكم البلاد والعباد ..
في ليلة مظلمة .. عزمنا فيها أمرنا وحملنا أمتعتنا متوجهين لمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم عن طريق البر ..
الطريق تقريبا يحتاج إلى 4 ساعات ونصف الساعة إلى خمس ساعات ..
ودعنا أحبابنا وأهلينا وسألناهم الدعاء لنا بالتوفيق ..
وانطلقنا ... مقبلين غير مدبرين .. حتى ذهبنا مع طريق يسمونه ( طريق الشاحنات ) ..
أنا أسميته ( طريق المهلكات ) أو قل ( درب الوفيات ) ( معقل الأموات ) ..
قل ما شئت .. تسلكه الشاحنات المفزعة ... والسيارات المتهورة .. في مسارين فقط !!
مما يجعل فرص النجاة تقل ... واحتمال الكوارث يزداد ..
طريق مظلم ولا إضاءة ... ويصعب علينا معرفة المسارات والمنحنيات ..!!
وأنا أقلب نظري في هذا الرعب ..
ولم يمضي علينا وقت ... !!
حتى رأيت العجب العجاب .. وليتني لم أراه ..
سيارات كثيرة متوقفة لجانب الطريق .. الأيمن .. مضيئة أنوارها المتقطعة ( الفلشر )
وخلق متجمهرين ... !! بالطبيعي والفطرة تعرف أن هذا الطريق قد افترس ضحية جديدة ويبدو أنها .. بعد
حديثة ودمها حار ...
نزلنا وترجلنا من سيارتنا – ويعلم الله أنه ليس لذات التجمهر وإنما للعظة والعبرة والمسااااااعدة للموجودين حتى
يأتي الإسعاف ... وربما تلقين الشهادة لمن أوشك على الموت .. ومساعدة من بقي فيه نبض
قدر الإستطاعة ...
وقت خروجي وإذا بأحد زملائي يسأل أحد من رآى الموقف وقال هناك شاب ملقى على الأرض وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة ..
ذهلت ... وذهبت نحوه وخطاي مترددة أخشى من فزع المنظر ..
اقتربت وإذا بسيارة من النوع ( شبح ) مقلوبة على رأسها ..!! ومهشمة السقف تماما .. لا بد من وفاة ..!!
منظر السيارة لا يوحي بغير هذا ..
نظرت وقد هالني منظر السيارة إلى جانب آخر في الحدث لأجد شابا يجلس وكأنه مذهول لا يدري أهو فعلا
على قيد الحياة أم لا ...
ويهدؤونه الناس .. أمر مؤلم ... لم أتكلم بكلمة واحدة ... فقط مذهول ونظرت ورائي وإذا بشااااب ..
ملقى على الأرض ممد ... قد وضع يديه على صدره مشبكتين ..
قد امتلأ وجهه رملاً ... وترابا ورأسه من أعلاه قد امتلأ دما في جرح غائر ...
ممد على الحصى والأحجار .. ورأيت بجواره شيء من الزجاج الذي خلفته هذه الإنقلابه المخيفة والتي قذفتهما
من داخل السيارة وإذا هما في الخارج !! في الليل .. وفي ظلمات هذا الطريق الموحش ..
أمر مؤلم ومفزع ..
لا أدري ... لماذا شعرت حينما رأيت هذا الشاب وكأنه أخي الشقيق ..
جلست على قدمي ... ونظرت له نظرة .. آلمتني .. كثيرا آلمتني ..
شاب لا يزيد على الخامسة والعشرين حتما ..
يتنفس بعمق ... صوته شاحب ... مغمض العينين .. أشبه بفاقد الوعي .. يكتم صرخاته التي تنبئ
عن آلام جسده المتحطم من هذا الحادث المروع ..
آه كم تألمت لمنظره .. أخذت من جواري قارورة ماء ... وصببتها على يدي وبدأت أسمح عن وجه ما
ناله من التراب .. وشيء من الدم .. الذي علا رأسه .. ومسحت شفتاه التي نالها شيء من الغبار والتراب ..
أصبره وأتفاءل .. وأقول له : الحمد لله على السلامة ما شاء الله أشوفك طيب ... أذكر الله ..
وقل لا إله إلا الله .. وما فيك إلا الخير يا غالي ... الآن يأتون الإسعاف هم قريبين منا جدا .. الحمد لله على سلامتك
الحمد لله كتب لك الله عمر جديد ..
بدأ يردد بصوت متقطع لــــــ ــ ـا إلـ ـه إلـــ ـا الـــ ــ ــ ـلــ ـه .. مـــ ــ ـحــمــ ــ ـ ـد رســ ـول الــلـــ ـه ..
تخيلوا !!
وبعدها بدأ يئن : آآآآه إممممم آآآ
باسم الله عليك وش يعورك .. ؟؟
قال لي : ظهري ... ظهري
آه حبست عبرتي .. لم أحتمل أن أراه بهذا الشكل ..
يالله .. كم كان محزنا ؟؟
فجأة وأنا في هذا الموقف والناس يقفون حولنا .. يشاهدون هذا الحال ..
وإذا بي أرى من عينه اليمنى .. دمعة تنبئ بألمه وعن عجزها عن التعبير والخروج لعجز صاحبها الممدد ..
مسحتها .. ولم أشعر إلا ودمعتي سبقت يدي التي تريد مسح العبرة .. لم أستطع والله لم أستطع ..
أتاني أحد الواقفين وقال : هاه يا مطوع عساه بخير .. قلت نعم : الحمد لله ..
لا أخفيكم كم راعني وكنت أخشاه أن يكون ثالثنا ملك الموت .. !!
كنت أترقب هذا وأخشاه كثيرا ...
فجأة وإذا بزميله اقترب منا ليفاجأنا الإسعاف بقربه .. منا وجاء وبشرت أخي الممد بالإسعاف ..
وإذا بزميله الذي أصيب إصابه فقط في قدمه . ..
يخاطب زميله يريده أن يتكلم ..
قلت له أذكر الله ما فيه إلا العافية ..
وحملته ورآني ولم يتمالك إلا أن احتضنني وبكى واحتضنته بحنان عله أن يهدأ مما به ..
ذكرته بالله وحملته إلى الإسعاف وقد حملوا أخي الممد إلى الإسعاف ..
حاولت ولم تكن أمنيتي وقتها إلى الحصول على أرقام هواتفهما إلا أن المرور منعني ..
وأغلقوا دوننا أبواب الإسعاف ..
وذهبت أدافع العبرة ...
ادع الله لهما بالشفاء .. وكلي أمل أن يهيء لنا أسباب اللقاء ..
والله على كل شيء قدير ...
وليتنا نتعض كما ينبغي ... وأن لا نجعل نهاياتنا بهذه الصورة ..
وسرعتنا في الطرقات هي التي جعلت أمثال هذه الطرق المفزعة تصبح مقابر ومجازر لأرواحنا
حفظنا الله وإياكم من كل مكروه ..
والله الهادي والشكر لكم أحبابي